إقالة وزير خارجية بورتسودان.. هل بدأ تفكك سلطة البرهان؟

أثارت إقالة وزير خارجية سلطة بورتسودان، السفير الدكتور علي يوسف الشريف، صدمة في الأوساط السياسية السودانية، خاصة وأن فترة توليه المنصب لم تتجاوز ثلاثة أشهر منذ تعيينه مطلع نوفمبر الماضي خلفًا للسفير حسين عوض. وقد فتح هذا القرار الباب واسعًا للتساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الخطوة المفاجئة.
يأتي هذا الإعفاء في سياق سلسلة من الإقالات التي طالت مسؤولين بارزين على المستويين المدني والعسكري منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي والإداري التي تشهدها البلاد.
إعفاءات جديدة
عقب قرار إعفاء الشريف، سرعان ما انتشرت تقارير إعلامية نقلًا عن مصادر مطلعة، توقعات بصدور قرارات وشيكة تشمل إعفاءات جديدة في وزارات حيوية كالتعليم والصحة والداخلية والطاقة والنفط والتجارة، بالإضافة إلى ولاة عدد من الولايات منها البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل وكسلا والقضارف.
ورغم أن غالبية السودانيين غير ملمين بأسماء شاغلي هذه المناصب في ظل احتكار البرهان والجيش لقرارات التعيين والإعفاء في الجهاز التنفيذي للدولة بل ومعظم القرارت التي تهم السودانيين بعد نشوب الحرب، إلا أن العديد من المراقبين ربطوا هذه الخطوة بمحاولة تعزيز الولاءات في المشهد السياسي المتأزم. وقد أشارت تدوينات لشخصيات نافذة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن إقالة وزير الخارجية جاءت على خلفية تصريحات إعلامية له وصف فيها طرفي النزاع بـ “طرفي الحرب”، وهو ما يعتبره البرهان والأوساط الإعلامية الموالية للنظام السابق مساواة غير مقبولة بين الجيش وقوات الدعم السريع، الأمر الذي يرفضونه بشدة ويسعون من خلاله إلى اكتساب الشرعية ونزعها عن الطرف الآخر. ويستدلون على ذلك بما بأن وزير خارجية بورتسودان المقال نجح في فك تجميد عضوية السودان في منظمة الإيقاد، ليتبع ذلك تقديم السودان طلب لتجميد عضويته لاحقًا، وهو ما وصفه البعض بـ “النرجسية” التي يتسم بها أسلوب بقايا النظام السابق في التعامل مع المؤسسات الإقليمية والدولية.
وقد شهد منصب وزير الخارجية تحديدًا تغييرات متكررة، ففي أبريل 2024، أُعفي علي الصادق من منصبه دون إعلان أسباب واضحة، لكن تكهنات ربطت ذلك بخلافات في وجهات النظر حول إدارة الملفات الخارجية، خاصة في ظل احتكار البرهان للسفر وتمثيل حكومته التي تُعرف لدى العديد من الدوائر بـ “سلطة بورتسودان” أو “سلطة الأمر الواقع”.
إقالات المدنيين
في المراحل الأولى للنزاع وما تلاها، صدرت قرارات بإعفاء عدد من الوزراء في الحكومة الانتقالية التي كانت قائمة قبل الحرب، دون الإعلان عن أسباب واضحة ومفصلة في معظم الحالات. واعتُبرت هذه الإقالات في نظر البعض تصفية لمراكز نفوذ القوى المدنية التي تقاربت لاحقًا مع قوات الدعم السريع عبر استيعاب الاتفاق الإطاري، الذي رأت فيه أهمية لكبح جماح الحرب ونفوذ الإسلاميين بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 بدعم من البرهان. وسعى البعض لتفسير هذه الإقالات بأنها تغييرات هيكلية فرضتها الحرب وتأثيرها على عمل المؤسسات الحكومية، بينما أشارت تحليلات أخرى إلى تباين المواقف حول كيفية التعامل مع الصراع وتأثيره على عمل الوزارات المختلفة.
كما شهدت تلك الفترة إقالة مسؤولين في مؤسسات وهيئات حكومية، حيث طالت رؤساء ومدراء عدد من المؤسسات والهيئات. وفي بعض الحالات، ربطت تقارير غير رسمية هذه الإقالات باتهامات بالفساد أو التقصير في أداء المهام في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، إلا أن هذه الأسباب لم تُؤكد رسميًا في معظم الحالات. ومن أبرز تلك الإقالات إعفاء مبارك أردول، مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، الذي رُبط القرار بشعور البرهان بالغضب تجاهه بعد تداول تسريبات مكثفة تتضمن صفقات وانتقادات وسخرية من البرهان.
عسكرة المشهد
وعلى صعيد المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي يكتنف قراراتها الداخلية، إلا أن تقارير إعلامية سابقة تشير إلى إقالة أو نقل عدد من القيادات العسكرية، وغالبًا ما تُعزى هذه القرارات إلى تقييمات الأداء في ساحات القتال أو اختلافات في الرؤى حول إدارة العمليات العسكرية، ومع ندرة البيانات الرسمية التي تؤكد هذه الإقالات أو توضح أسبابها، كان التفسير الدائم للكثير منها بالإجراءات المعتادة والراتبة للإحالة إلى التقاعد.
وكشف مصدر عسكري (فضّل حجب اسمه) عن أن من أبرز الإجراءات التي اتُخذت استعدادًا للحرب على المستوى العسكري، كانت تلك التي اتخذها البرهان في 26 أغسطس 2022 بتعزيز نفوذ الإسلاميين في الجيش بتسليمهم المواقع الحساسة فيه، أي قبل الحرب بنحو ثمانية أشهر، من خلال الإحالات التي تمت لما يقارب 20 رتبة كبيرة في هيئة أركان الجيش وقيادته العليا، ثم الترقيات في صفوف الدفعة 40 التي تُعد من أهم دفعات الحركة الإسلامية في الجيش إلى رتبة اللواء، وذلك بعد الإطاحة بمحمد عثمان منور وعصام كرار وغيرهم في ذلك الوقت. وأضاف المصدر أن الدفعة 40 تضم نسبة كبيرة من منسوبي الحركة الإسلامية، وهو ما عزز نفوذهم وسيطرتهم على قيادات الفرق والمناطق الفرعية، مؤكدًا أن الإسلاميين ظلوا يتمتعون بنفوذ قوي داخل الجيش ويسيطرون على مواقع حساسة، مما يجعل التخلص منهم أمرًا صعبًا وهو ما يعمل له البرهان ألف حساب، ويجعله مترددا تجاه أي خطوات لإيقاف الحرب لا يوافق عليها هؤلاء الضباط.
دوافع الإقالات
يرى محللون أن سلسلة التعيينات والإقالات التي يقوم بها البرهان تعكس حالة من التخبط والبحث عن محيط آمن، مدفوعة بتخوفه من التداعيات الكارثية للحرب وما قد تُفرزه من تناقضات في المصالح قد تهدد أمنه الشخصي.
فيما يرى المحلل السياسي إيهاب الحسن في حديثه لـ”ر اينو” أن هناك أسبابًا أخرى يمكن أخذها في الاعتبار بعيدًا عن الشأن السياسي المباشر، مشيرًا إلى أن الحرب أدت إلى شلل أو تعطيل عمل العديد من المؤسسات الحكومية، مما استدعى تغييرات في المسؤولين بهدف محاولة تسيير الأعمال المتبقية بكفاءة أكبر. ولفت إلى أن الخلافات السياسية وتضارب وجهات النظر بين مكونات معسكر الحرب له تأثير أيضًا في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحادة التي سبقت الحرب وتفاقمت معها، مرجحًا أن تكون الخلافات في وجهات النظر حول كيفية إدارة الأزمة والتعامل مع الأطراف المختلفة سببًا في إبعاد بعض المسؤولين، بالإضافة إلى احتمال وجود ضغوط من قوى سياسية داخلية حليفة للبرهان لها دور في اتخاذ قرارات الإقالة.
دلالات ومؤشرات
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي عمر سفيان سالم في حديثه لـ”راينو”أن العديد من القرارات التي تتخذها حكومة الأمر الواقع تأتي دوماً في توقيت متزامن مع بروز خطاب جديد لقوات الدعم السريع أو قائدها محمد حمدان دقلو، في محاولة لصرف الانتباه عن هذا الخطاب وتأثيراته وإشغال الرأي العام. وأضاف أن هذه الإقالات المتكررة تعكس حالة عدم اليقين في المشهد السياسي والإداري لدى البرهان وحلفائه من بقايا النظام السابق، مؤكدًا أن تلك القرارات تؤثر سلبًا على سير العمل في المؤسسات، وتشير إلى عمق الأزمة السياسية، والتصدعات العميقة في هياكل السلطة سواء كانت مدنية أو عسكرية، فضلًا عن صراع النفوذ وتضارب المصالح، حيث يسعى كل طرف في معسكر الحرب لتعزيز موقعه وإبعاد من يرى أنه يمثل تهديدًا أو يعرقل أجندته. ورأى أن بعض الإقالات تمثل محاولة من السلطة الحالية لاسترضاء أطراف معينة، سواء قوى إقليمية أو دولية، من خلال إبعاد شخصيات تعتبر غير مقبولة لديها، أو تقريب وتعيين شخصيات بحكم ولائها وقربها من تلك القوى، كما هو الحال مع السفير الحالي للسودان في مصر وعلاقته الوطيدة بها، ووزير الخارجية المقال الذي تم تعيينه بحسب العديد من التسريبات استجابة لرغبة القاهرة التي ظل مقيمًا بها ويُزاول منها عمله.
عمومًا، وبغض النظر عن طبيعة هذه القرارات والتعيينات، فإن تعددها خلال فترة زمنية قصيرة يعكس عمق الأزمة التي يعيشها معسكر الحرب الذي يقود البلاد، ويشير إلى وجود صراعات داخلية وضغوط خارجية وحالة من عدم الاستقرار في ظل انكشاف زيف الانتصارات على الأرض واستمرار الضغط السياسي والإعلامي للدعم السريع وقدرته على توسيع رقعة الحرب، مما يعني قرب انهيار السلطة السياسية والإدارية للبرهان.
Source link