الحقيقة والسراب… عماد حرزاوی
غير صحيح ان (النوبيين) و(البجة) هم الكوشيين الأصليين الذين كانوا يقطنون في منطقة كوش التي نشأت فيها الفترة الإمبراطورية (850 ق.م - 350م) ثم جاء العرب فطردوهم منها وسكنوا محلهم وأسسوا ما يعرف اليوم بالمجموعة الجعلية الكبري
الصحيح ان النوبيين والبجة فرعين من فروع كوش كانا ولا زالا يسكنان في نفس مناطقهما الحالية، أي المنطقة من اسوان بجنوب مصر الي كرمة بأقصي شمال السودان بالنسبة للنوبيين، والمنطقة من حلايب بالحدود الشمالية الشرقية للسودان الي نهر عطبرة بشرق السودان بالنسبة للبجة، اما مجموعة الجعليين الكبري التي تسكن في المنطقة الأصلية للفترة الإمبراطورية الكوشية من دنقلا الي الخرطوم فهي ايضا مجموعة كوشية لكنها استعربت نوعا ما ثقافيا ويمكن ان نطلق عليها المجموعة (المروية) في مقابلة المجموعتين النوبية والبجاوية، والأدلة علي ذلك كثيرة آثاريا وأنثروبولجيا ولغويا وفلوكلوريا وقد استعرضناها كلها من قبل في بوستات كثيرة هنا وفي مجموعتنا التاريخية (حضارة وادي النيل – Nile valley civilization)، فقط دعونا نستعرض هنا علي سبيل التذكير اربعة ادلة احدها انثروبولجي والثاني آثاري والثالث لغوي والرابع فلوكلوري، وذلك علي النحو التالي:-
1- الثابت علميا حاليا بما لا يدع مجالا للشك ان كل سكان المنطقة من وادي حلفا الي الخرطوم (الإقليم الشمالي) هم من سلالة عرقية موحدة تنسب للعرق الكوشي القديم وتسمي (سلالة السودان الشمالي) وأن هذه السلالة ظلت محافظة علي سماتها العرقية الكوشية منذ عشرة ألف سنة الي الآن اللهم تغييرات طفيفة بدخول دماء عربية وقوقازية قليلة ذابت في العرق الكوشي الأصلي، وهذا يعني ببساطة ان النوبيين والجعليين من سلالة عرقية واحدة مما لا يجوز معه القول بأن الجعليين عرب والنوبيين كوشيين للتمييز بينهما فكلاهما كوشيين فقط الجعليين استعربوا (اتخذوا العروبة مسمي لهم) والنوبيين استنوبوا (اتخذوا النوبة مسمي لهم) في ظروف تاريخية معروفة تحدثنا عنها من قبل، وحيث ان البجة كذلك أنثروبولجيا يعدون من السلالة الكوشية الأصلية فأيضا لا يجوز القول بأن الجعليين عرب والبجة كوشيين للتمييز بينهما عرقيا فكلاهما كوشيين، فقط الجعليين استعربوا (اتخذوا العروبة مسمي لهم) والبجة تبججوا (اتخذوا البجة مسمي لهم) في ظروف تاريخية تحدثنا عنها من قبل.
2- يمكن لأي احد الإطلاع علي آثار كوش بالسودان ليلاحظ بوضوح وجه الشبه الواضح في الملامح واللون والحجم وحتي الشلوخ بين الكوشيين والجعليين مما ينفي تصور ان الجعليين عرب قحين لا علاقة لهم بالكوشيين او مزيج من الكوشيين والعرب، فمن المستحيل ان يمتزج عرقين مختلفين فينتج منهما عرقا شبيها بأحدهما تماما دون ظهور اي سمات للعرق الآخر علي مدي القرون وفي مجموعة سكانية ضخمة الا اذا كان احد العرقين الممتزجين بسيطا ليذوب في العرق الكثير وهذا فعلا ما يلاحظ لدي الجعليين فشبههم بالكوشيين يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان استعرابهم ثقافي لا عرقي فهم كوشيين لكن تبنوا ثقافة عربية وحتي الثقافة العربية هذه فيها نظر سنثبته في الفقرة التالية.
3- الجعليون لا يتحدثون اللغة العربية الفصحي (العرب كلهم حاليا لا يتحدثون العربية الفصيحة) ولم يتحدثوها من قبل بل يتحدثون لهجة عامية سودانية تزخر بالكثير من ألفاظ وقواعد اللغتين الرنكمية والمروية لغتا الكوشيين الأصليتان، وإذا قلنا ان لغتهم العربية الفصحي امتزجت بهاتين اللغتين الكوشيتين ففقدت خصائصها الفصيحة فالثابت تاريخيا عن طريق علماء اللغويات التاريخين المرموقين امثال احمد كمال وعلي فهمي خشيم وهارون أمبير وواليس بدج وعبد الحليم نور الدين وعبد المحسن بكير وسامح مقار …. الخ ان اللغة العربية في حد ذاتها مقتبسة او مشابهة للغة الرنكمية لغة وادي النيل الأصلية وهذا يعني ان حتي لغة الجعليين العربية الفصيحة هي ذات اصول رنكمية مما يعني انهم لا يمكن ان يكونوا عربا قحين لا علاقة لهما اطلاقا بالكوشيين.
4- جل فلوكلور الجعليين هو فلوكلور كوشي بإمتياز وليس فيه شبه بفلوكلور العرب الحاليين بالخليج والشام والعراق واليمن اللهم القليل وهذا اثبتناه من قبل وهو يعني ان الجعليين حتي لو كانوا عربا فلا يمكن ان يكونوا حاليا عربا قحين لأنهم تناسوا فلوكلورهم العربي (المفترض) وتبنوا فلوكلورا كوشيا بحتا وحتي هذا اذا نظرنا له من خلال ثبوت ان الجعليين أنثروبولجيا وآثاريا ولغويا هم كوشيين فالبديهي ان فلوكلورهم كوشي وليس هناك اي منطق في القول بأنهم نسوا فلوكلورهم العربي (المفترض) وتبنوا فلوكلورا كوشيا.
هذه البينات الأربع هي غيض من فيض من الأدلة التي تثبت كوشية مجموعة الجعليين الكبري بما لا يدع مجالا للشك، بيد اننا حتي اثبتنا ان اسم (جعل/ جعلي) هو اسم رنكمي قح ومن ثم فالقول بأن المجموعة الجعلية الكبري هي مجموعة عربية وفدت الي السودان حديثا وطردت النوبيين والبجة من منطقتهم الأصلية وحلت محلهم هو من باب الجهل التاريخي المعتمد علي مرويات إخباريين سودانيين وعرب ليس لديهم ادلة موثوقة تثبت رواياتهم، فقط كتبوا رواياتهم هذه في ظل سيادة الإمبراطورية العربسلامية علي منطقة الشرق الأوسط ومحاولات شعوب الشرق الأوسط هذا القديمة نسبة انفسها للعرب لنيل حظوة لدي الإمبراطورية العربسلامية فمن المعروف تاريخيا ان الناس علي دين ملوكها والدين هنا ليس مقصودا به الدين فقط بل كذلك اللغة والثقافة والحضارة فحاليا مثلا الأفارقة الأمريكان يعتبرون امريكان اصليين مع ان امريكا الأصلية تأسست من لدن شعوب اوربية بيضاء لا علاقة لها بالأفارقة لا عرقا ولا لغة ولا ثقافة.
الخلاصة: مجموعة الجعليين الكبري مجموعة كوشية اصلية استعربت في ظروف تاريخية معروفة وليست مجموعة عربية وافدة وهم اصحاب الأرض والهوية والتاريخ الكوشي في المنطقة التي نشأت عليها الفترة الكوشية الإمبراطورية التي تعد اشهر فترات حضارة كوش علي الإطلاق ويمكن ان نطلق عليهم اسم (الكوشيين المرويين) في مقابلة اسمي (الكوشيين النوبيين) و(الكوشيين البجاويين).