اخبار محلية

لو حتى نبدأ من الكلب…! – صحيفة السوداني

من أهم التطوُّرات الاقتصادية والتي حدثت دون تدخُّل يُذكر من الدولة ولا حتى من القطاع الخاص المنظم، بل كان بجهد أفراد عاديين أصحاب رساميل محدودة، لذلك تمّ دون إعلام أو ضوضاء، ذلك ما حدث في قطاع الثروة الحيوانية في شمال السودان ووسطه، خاصةً في الجزيرة، وتحديداً ما حدث للأبقار، إذ أصبحت كلها مُهجّنة واختفت الأبقار الحمراء صغيرة الحجم قليلة اللبن، وحلّت محلها الأبقار الداكنة والسوداء وذات اللونين الأسود والأبيض (البرقاء)، فتضاعف العائد من اللحوم ومن الألبان.. وأصبحت تربية الأبقار من مهن الطبقة الوسطى.

ابني أشرف بعد الدراسة اتّجه مُباشرةً لتربية الماشية، مع أنه كانت له خياراتٌ أخرى واتّخذ له حظيرة في جنوب شرق الخرطوم غرب السفارة الأمريكية، فأعطى مهنته كل وقته، وبالمُقابل أعطته مطلوبات حياته، واستطاع في السنوات السبع التي أمضاها فيها أن يكون لديه قطيعٌ عالي التّهجين، مع قُدرة عالية على التكيُّف، وكانت خدمات ثيرانه مطلوبة لدى معارفه وجيرانه، فكثيراً ما كانت حظيرته تستضيف الإناث القابلة للتخصيب، وبعضها يكون قد تمّ إحضاره من الجزيرة (ابتعاث وكده)، وأحياناً تُستضاف ثيرانه في حظائر جيرانه (شهر عسل يعني).
رغم أنّ أبقار أشرف لم تتعرّض لعدوان مباشر في الخرطوم ربما لقُربها من السفارة الأمريكية، إلا أنّ أوضاعه قد تأثّرت بالحرب سلباً، فرحل بأبقاره إلى القرية بالجزيرة.. وبعد حوالي عام وتحديداً في ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤، اجتاحت الدعم السريع القرية وتمت (شفشفتها)، ومن ضمن ما تمت شفشفته حظيرته التي أصبحت أفرغ من فؤاد أم موسى، ومع الأبقار تمّ نهب دفّـاره والكارو والحيوانات الصغيرة شوية “ضأن وماعز” كان يقزقز بها.. بعد العودة من النزوح مباشرةً سيطرت على مجالس القرية ما حدث للقرية من شفشفة، فما التقى الجيران إلا كان البند الرئيسي في ونستهم أها الدعامة شالوا منكم شنو؟..
لجين ابنة أشرف ذات الثلاث سنوات كانت كلما وجدت الناس يتجاذبون الحديث في الموضوع، إلا قالت (كلب أبوي ما شالوه)، وبالفعل لم يترك الدعامة في حظيرتهم إلّا الكلب، وهذا ما حَدَثَ لكل حظائر القرية، لا وبل معظم الجزيرة إن لم نقل كلها باستثناء محلية المناقل التي كان بها الجيش.
مثلما سلّطت لجين الضوء على كلب أبوها، نود هنا تسليط الضوء على واحدة من أكبر خسائر الجزيرة في هذه الحرب، فالثروة الحيوانية التي ضاعت في الجزيرة تُقدّر بمليارات الدولارات، وتزداد الخسارة فداحةً إذا علمنا أنه لا يمكن تعويضها في عامٍ أو عامين، فحتى لو توفرت مليارات الدولارات اليوم فعودة النوعية التي شُفشفت تحتاج لقدر زمني لا يمكن تجاوزه، لأنها كانت تجمع بين التلقيح الصناعي والانتخاب الطبيعي…

الخسائر غير المرئية في هذه الحرب سوف تظهر لنا بمرور الأيام، سوف تكون فوق التصور.. ومع ذلك لا بُـدّ من أن نتوكّل على الله ونبدأ إن شاء الله من الكلب.. ولعل هذا ما قلته لأشرف.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى