خيارات نتنياهو لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار.. هل يشعل جبهة الضفة الغربية؟ | سياسة
مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تواجه إسرائيل أزمة سياسية داخلية غير مسبوقة؛ فبالرغم من العراقيل التي يضعها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وجيشه أمام تنفيذ الاتفاق، إلا أن مجرد الإعلان عن التوصل إلى صفقة تهدئة مع المقاومة الفلسطينية أحدث زلزالا سياسيا في الداخل الإسرائيلي.
وقد كشف هذا الزلزال السياسي عن هشاشة حقيقية في ائتلاف نتنياهو، الذي سعى طوال الـ15 شهرا الماضية للظهور بمظهر متماسك، مستندا في ذلك إلى سياسة الإبادة الجماعية التي مارسها ضد الفلسطينيين، وحملات العدوان التي شنها على لبنان وسوريا والمنطقة بأكملها.
وجاءت الصفقة، التي تحققت تحت ضغط غير متوقع من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لتكشف عن حجم الانقسام الداخلي، ليس فقط في المجتمع الإسرائيلي، بل وداخل أروقة حكومة اليمين المتطرف نفسها.
وبينما يحاول نتنياهو مواجهة هذه التحديات، يتساءل المحللون عن مدى استعداده لإشعال جبهة الضفة الغربية كوسيلة للهروب من أزماته الداخلية، ونستعرض خياراته المعقدة وإستراتيجياته المحتملة في محاولة إنقاذ نفسه.
نتنياهو بين ترامب وشركائه اليمينيين
في خطوة دراماتيكية ردا على هذه الصفقة، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير استقالته من منصبه احتجاجا على الصفقة، تبعه في ذلك وزير الشتات عميحاي شيكلي من حزب الليكود.
وأصدر حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة بن غفير بيانا شديد اللهجة، معتبرا أن الاتفاق مع حماس “متهور”، خاصة فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، والتنازل عن مكتسبات الجيش العسكرية في الحرب، وسحب القوات من قطاع غزة. ووصف الحزب الاتفاق بأنه “استسلام لحماس”، معلنا عزمه تقديم استقالة رسمية من الحكومة والائتلاف.
وفي تحليل للموقف، كتب المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أن نتنياهو كان يخشى في الأشهر الماضية من ردة فعل شركائه في اليمين المتطرف، وتحديدا بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين هددا بإسقاط حكومته إن قبل المقترحات الأميركية للتهدئة في مايو/أيار 2024.
وأضاف هرئيل أن المؤيدين المتحمسين لنتنياهو ممن سماهم “الحمقى” يعيشون في الأيام الأخيرة حالة من خيبة الأمل، مشيرا إلى أن ترامب لا يكن ولاءً خاصا لإسرائيل أو لنتنياهو، وإنما يتحرك وفق مصالح معقدة تتعلق بموقع الولايات المتحدة في المشهد الإستراتيجي الدولي المتغير، إضافة إلى اعتبارات مكانته الشخصية.
وفي السياق ذاته، وصف الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان -في مقال نشره موقع سبيكتاتور- ترامب بأنه “زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته سواء على المستوى الشخصي أو السياسي”. وأشار إلى أنه قد لا يتردد في فرض عقوبات على إسرائيل، بما في ذلك حظر بيع الأسلحة أو تقليص المساعدات العسكرية، رغم أن معظم مستشاريه من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل.
ويخلص ميلمان إلى أن نتنياهو يدرك ذلك، إذ يجد نفسه في مأزق بين مطرقة تهديدات ترامب وسندان تهديدات وزرائه اليمينيين بالانسحاب من الحكومة. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أيضا أن قدرة ترامب على إلحاق الضرر تفوق بكثير تهديدات وزير الأمن القومي بن غفير.
الحرب على الضفة
في يوم الجمعة السابق لموعد الصفقة، قام وزير المالية سموتريتش بممارسة ضغط غير مسبوق على نتنياهو، نجح فيه بانتزاع التزامات صريحة خلال اجتماعات للمجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت) والحكومة استمرت لأكثر من 15 ساعة، انتهت في الساعات الأولى من فجر السبت.
وتضمنت القرارات تعديلا جوهريا في أهداف الحرب، حيث تمت إضافة تصعيد العمليات في الضفة الغربية كهدف رئيسي. جاء هذا التعديل استجابة لضغوط سموتريتش وتقديرات جهاز الشاباك الذي توقع ارتفاعا في العمليات المقاوِمة بالضفة -التي سماها بالإرهاب- عقب تنفيذ صفقة التهدئة.
وشمل القرار زيادة القوات العسكرية إلى 30 كتيبة، وهو المستوى الذي كان قائما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن سحب القوات لن يكون إلا بقرار من الكابينت، أو العودة للقتال في غزة حال عدم استكمال تنفيذ الصفقة.
وفي مساء السبت، كشفت قناة “كان 11” العبرية عن تفاصيل إضافية حول قرار الكابينت الذي كان مخفيا عن الجمهور، فالوزراء صادقوا يوم الجمعة على تحديث أهداف الحرب، وأضيف هدف جديد: “تعزيز الأمن في الضفة الغربية”.
وتمت الموافقة على القرار خلال نقاش قصير سمعت فيه ردود فعل غاضبة من الوزراء المشاركين. حيث قال وزير الخارجية غدعون ساعر “لا أفهم كيف يمكن تحديث هدف الحرب في نقاش مدته ساعة واحدة، إنها ليست خطيرة، لماذا لا تجري مناقشة منظمة؟”.
وترافق هذا الإعلان أيضا مع حشد مزيد من القوات في الضفة الغربية واجتماع لقائد أركان الجيش الإسرائيلي مع ضباط وقادة تشكيلات القيادة الوسطى المسئولة عن الضفة الغربية.
واعتبر المختص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي “أن توسيع أهداف الحرب لتشمل الضفة الغربية، وزياده عدد القوات لمستوى ما كان عليه في السابع من أكتوبر، إنجاز غير مسبوق لرئيس حزب الصهيونية الدينية، الذي فشل طوال فتره الحرب في استطلاعات الرأي ولم يتجاوز نسبة الحسم إلا مرة أو مرتين فقط، ليحصل فقط على 4 مقاعد، من أصل 8 هي عدد مقاعده في الكنيست، الحالية”.
ويضيف أن خروج بن غفير من الحكومة، رغم تعهده بدعم نتنياهو من الخارج، يضع رئيس الوزراء في موقف حرج، حيث سيتقلص ائتلافه من 68 إلى 63 مقعدا، مما يجعله رهينة لمطالب حلفائه من الحريديم والصهيونية الدينية، رغم انضمام ساعر بمقاعده الأربعة إلى الائتلاف.
بَيد أن استقرار ائتلاف نتنياهو يواجه تحديات جدية، أبرزها الخلاف حول قانون التجنيد للحريديم، الذي يلقى معارضة شديدة من الشركاء الحريديين والصهيونية الدينية وعدد من أعضاء الليكود، بقيادة رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين والذي يصر على قانون فيه مساواة في توزيع العبء بالتجنيد.
وتزداد حساسية هذا الملف في ظل شعور أحزاب المستوطنين التابعة لبن غفير وسموتريتش ومن يدعمهم من باقي الائتلاف -بدون الحريديم- بأنهم دفعوا الثمن الأكبر في هذه الحرب من حيث الخسائر البشرية.
السردية المخادعة
وقد هدفت التصريحات المتلاحقة التي أطلقها نتنياهو ومكتبه قبيل وأثناء وبعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بالدرجة الأولى للمحافظة على سرديته ودعايته “سيد الأمن” أمام جمهوره، وكان آخرها فيديو مسجل مساء السبت قبيل سويعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ قائلا “وقف إطلاق النار الذي تمت الموافقة عليه هو مؤقت”.
وأضاف نتنياهو “نحن نحتفظ بحق العودة إلى الحرب”، وأشار إلى أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب قدما ضمانات بإمكانية استئناف الحرب إن فشلت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق “عديمة الجدوى”، وأكمل “علينا تحقيق جميع أهداف الحرب، بحيث لن تشكل غزة تهديدا لإسرائيل بعد الآن”.
يرى الكاتب عبد الله العقرباوي أن نتنياهو يحتاج الآن إلى صياغة سردية محكمة يقنع بها اليمين الإسرائيلي بصفقة الأسرى، مدعيا أنها مرحلة من مراحل الحرب المستمرة على أعداء إسرائيل، مستغلا إعلانه عن الهدف الجديد للحرب الحالية على جبهة الضفة الغربية.
ولكن الصعوبة، بحسب العقرباوي، هي كيف سيصوغ فكرة الانسحاب العسكري الذي وصفه بالمؤقت ليقنع التيار التوراتي القومي الشعبوي المتصاعد بأهمية هذه الخطوة في تحويل فوهات مدافع دباباته باتجاه الضفة الغربية، رغم أن هذه الجبهة لم تتوقف ولو للحظة حتى قبل الحرب الحالية، وبهذا يضعهم في حالة انشغال بجبهة جديدة ويحافظ على تماسك ائتلافه المتصدع، على حد قوله.
ولم يستبعد العقرباوي استخدم الاحتلال أدوات الإبادة الجماعية التي استخدمها في غزة من تجويع وتهجير ومجازر، فما يستخدمه العدو من قصف بالطيران الحربي لبيوت الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين ارتقى منهم أكثر من 600 شهيد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يتزامن مع الخطوات الميدانية التي ينفذها سموتريتش منذ سيطرته على ملف ما يطلق عليه الإدارة المدنية في وزارة الجيش إضافة لوزارة المالية.
تتمثل هذه الخطوات في هدم المنازل والسيطرة على الأراضي، وتوسيع رقعة الاستيطان، التي يقوم بها في تغيير الوقائع على الأرض وصولًا لتحقيق خطة الضم (خطة الحسم) التي أعلن عنها سابقا والتي يود تنفيذها كحزمة واحدة عند دخول ترامب البيت الأبيض.
تخريب الصفقة
كشف مقال لجوناثان ليز في صحيفة هآرتس عن قلق دبلوماسيين أجانب من جهود نتنياهو المستمرة لتخريب اتفاق إطلاق سراح الأسرى خلال مرحلته الأولى.
وأشار المقال إلى انزعاج كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر من موقف نتنياهو العدائي تجاه المرحلة المقبلة من المفاوضات، وإصراره العلني على ضرورة القضاء على حماس كشرط لإنهاء الحرب.
ويرى ليز أن “حماس لن توافق طوعا على اتفاق يؤدي إلى تدميرها”، مؤكدا أن تكتيك نتنياهو هذا لن يؤدي إلى إعادة الأسرى المتبقين أو وقف القتال.
وفي محاولة لفهم دوافع نتنياهو لتخريب الصفقة، يشير المحللون إلى فشل جميع الأهداف الأربعة المعلنة للحرب منذ بدايتها من قبل نتنياهو، وهو ما يؤكده المحللون في الإعلام الإسرائيلي والمعلقون على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، صرح زعيم المعارضة يائير لبيد، “كان من الممكن توقيع الصفقة في مايو/أيار، ولو حدث ذلك، لكان هيرش وعيدن وأوري وأليكس وألموغ وكرمل الآن في منازلهم أحياء. فمنذ هذا التاريخ، قُتل 122 جنديا في غزة”.
وفي تحليل نشره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أوضح عوفر شيلح أن إسرائيل لم تنجح في القضاء على حماس، ولم تكن قادرة على ذلك أصلا، وأضاف أن رفضها للحلول البديلة، وإصرارها على استخدام القوة المفرطة لأسباب سياسية وشخصية، أدى إلى خسائر فادحة في صفوف جنودها وتراجع مكانتها الدولية.
ومنذ مايو/أيار2024 وربما قبل ذلك، دفع أكثر من 100 جندي وعدد غير معلوم من الأسرى حياتهم ثمنا للطريقة التي اختارها رئيس الحكومة ووزراؤه والمنظومة الأمنية. لقد أصاب الجيشَ الإسرائيلي الإنهاك بسبب هموم لم يكن لها أي تأثير على شروط إنهاء الحرب، على حد قول شيلح.
ويضيف، “كل هذا لم يغير الحقيقة الأساسية، بل ويزيد أكثر من تأثير تعافي المنظمة (حماس) التي ستخرج قيادتها المستقبلية من السجن، حتى لو تم نفيهم إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
ويضيف التحليل أن نتنياهو لا يمكن أن يحافظ على ائتلافه بدون حرب، ففي ظل التشظي الداخلي العميق في مكونات ائتلافه والتي ستزداد بشدة في حالة التهدئة حيث ستتفجر عدة ملفات، أبرزها لجنة التحقيق الرسمية، التي يعارضها وعدد من شركائه ويطالبون بتأجيلها لحين انتهاء الحرب وتحقيق أهدافها.
لذا، يرى شيلح أن نتنياهو سيسعى لإبقاء حالة التوتر في المنطقة على أشدها للمحافظة على ائتلافه من الانهيار، فخلال شهر فبراير/شباط القادم 2025 سيتعين على نتنياهو عقد جلسة استماع لحكومته حول قضية لجنة التحقيق الرسمية في فشل السابع من أكتوبر، وتقديم تقرير بنتائجها إلى المحكمة العليا، وفقا لقرار صدر في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لذا فسيندفع لتوتير الإقليم والضفة.
وحذر المختص في الشئون الإسرائيلية نائل عبد الهادي من أن نتنياهو سيسعى لتخريب الصفقة، حيث سيسعى للحصول على أكبر قدر من الأسرى الأحياء في المرحلة الأولى من الصفقة، إلا أنه سيعمل لتخريب المرحلتين الثانية والثالثة، فقد نجح الاحتلال في زرع قوات خاصة تسللت بين خيام النازحين وتجنيد عصابات محلية عملت على التخريب وسرقة المساعدات وحصار الناس، فلا يستبعد استخدامها لتخريب الصفقة بزعم خرق المقاومة الاتفاق بإطلاق صواريخ.
علما أن الجيش الإسرائيلي استخدم هذه المزاعم طوال الحرب لتهجير الفلسطينيين من مناطق واسعة وتدمير البيوت والمجازر بزعم إطلاق صواريخ أو حتى الرصاص من هذه المناطق دون أن يثبت ذلك بأي دليل حقيقي، سوى صافرات الإنذار التي يطلقها من تطبيق جبهته الداخلية الخاص بالجيش، وأغلب هذه الصواريخ المزعومة سقط داخل سياج غزة أو قريبا من الحدود في مناطق مفتوحة حسب زعمه، لتنفيذ العقاب الجماعي للفلسطينيين وتثبيت معادلة أن “الصواريخ هي سبب نزوحكم والعقاب الذي تتعرضون إليه”.
لهذا، يرى عبد الهادي أنه ليس من الصعب على العدو تنفيذ هذه المسرحية في مناطق بالأصل يسيطر عليها أمنيًا، وبما يملكه من عصابات عميلة أو قوات خاصة في الميدان وصواريخ، وأسلحة وحتى أزياء عسكرية صادرها من المقاومة، فهو يملك كل الأدوات لتأكيد هذه الخروقات المزعومة لإلقاء اللوم على المقاومة أمام الوسطاء وترامب.
Source link