الخروج من فقه “إدخار القوة”؟!
الخروج من فقه “إدخار القوة”؟!
الجميل الفاضل
أستطيع أن أفهم لماذا يقاتل الإسلاميون كل هذا القتال الشرس للاستمرار في السلطة، مهما كان تأثير هذه الحرب وهذا القتال، الذي يجري بضراوة وبلا هوادة، على وجود وبقاء الدولة في السودان.
وبدأ على الأرض كأن الحركة الإسلامية قد تجاوزت عملياً وبالفعل، فتوى على عثمان محمد طه، التي أشارت في بدايات هذه الحرب إلى ضرورة أن يلتزم “الإخوان المسلمين” فقه “إدخار القوة”، حفاظاً على كوادر التنظيم ربما لمرحلة أخرى من النزال.
ولعل اعترافات الدكتور أمين حسن عمر على شاشة قناة “الجزيرة مباشر” الأسبوع الماضي، التي قال فيها: إن الكتائب التي تقاتل في هذه الحرب، ليست كتيبة “البراء بن مالك” وحدها، وإنما هنالك كتائب “البرق الخاطف” و”الفرقان” وغيرها، وأن هناك عشرات الإسلاميين يحاربون، وهم يمثلون السواد الأعظم من المقاتلين، مقراً بفقدان الحركة لألفين من عناصرها سقطوا أثناء القتال في هذه الحرب.
وكشف أمين عن موقف حركته الذي يرى أن هذه الحرب عدوان، وأن العدوان لا يمكن الرد عليه بالتسويات، بل ينبغي أن يرد ويوقف عند حده فقط.
ولعل قول أمين حسن عمر يؤكد صدق ما أورده الشيخ عبد الحي يوسف في الندوة التي قال فيها: “ساق الله هذه الحرب من أجل أن يُعيد للحركة الإسلامية ألقها وقوتها، ولا أكتمكم أن عشرات الألوف من الشباب المسلم دربوا على السلاح، من الذين لم يحضروا تجربة الجهاد الأولى (الحرب في جنوب السودان)، الآن يقوم بالإشراف على هذه العملية الجهادية التي تسمي (المقاومة الشعبية)، وهو اسم الدلع كما يُقال، لأن مفردة الجهاد أصبحت منبوذة، يدربهم في المعسكرات من كانوا شباباً في فترة التسعينيات، ومعنا هنا من شارك في العمليات الجهادية وأصيب في يده واجريت له جراحة هنا قبل أيام، والانتصارات التي حصلت لا يرجع الفضل فيها للجيش أبداً، وإنما يرجع الفضل فيها بعد الله إلى المقاومة الشعبية”.
علي أية حال فقد أتاح التاريخ للإخوان المسلمين في السودان سانحة نادرة، قلّ أن جاد بمثلها لأية جماعة أو حزب اخر.
هي فرصة امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، أحال الإخوان في غضونها وطناً كاملا، إلى مختبر كبير لتجريب فكرتهم دون أن ينازعهم في ذلك أحد.
فقد صار السودان برمته خلال تلك العقود الثلاث، إلى ما يشبه المجال الحيوي لممارسة النظرية الإخوانية في الحكم.
حيث اعترت الإخوان بعد نجاحهم السهل في الاستيلاء على السلطة سنة (89)، حالة تضخم للذات ظلت تقودهم دائما إلى طموح غير مشروع، وإلى نوع من الخيلاء الفكرية، التي جعلتهم يظنون عن يقين باطل بأنه المالكون الحصريون للحقيقة.
وقد وصف الراحل د. منصور خالد هذا النمط من تضخم الذات الذي وقع، بأنه قد تفيّلت معه حتى القواقع اللافقارية.
شارحاً: أن تفيّل اللافقاريات تضاعف عندما أصبح الانتماء العقدي للحزب أو الجماعة جواز مرور لكل موقع مهني عال، سواء كان ذلك في الإدارات الحكومية، أو الجامعات، أو المؤسسات المالية والاقتصادية.
مشيرا إلى أن الظاهرة بلغت حدها الأقصى بحلول نظام الإنقاذ، تحت راية التمكين.
راية التمكين التي ضربت بجذورها في باطن الأرض بعيداً، لتنبت دولة شوكية عميقة لها تجليات، من بينها صورة ما تجري عليه هذه الحرب الآن.
Source link