اخبار محلية

سوريا.. أبومحمد الجولاني وحكاية 1400 سنة – صحيفة السوداني

الشيخ ولد السالك*

من دون أيّ مقدمات، وجد الشعب السوري نفسه حرا طليقا بعد انهيار نظام الأسد والجيش العربي السوري. بل يمكن القول إن الوصول إلى العاصمة السورية دمشق لم يكلف هيئة تحرير الشام إلا رصاصات معدودة سقطت هنا وهناك، لكن الجميع يعلم أن جميع المدن تمت السيطرة عليها دون أيّ قتال يذكر.. هرب الأسد وتهاوى نظامُهُ الذي جثم على صدور السوريين أكثر من خمسين عاما.

 

وجد الجميع أنفسهم أمام قائد جديد في سوريا مطلوب من قبل الإدارة الأميركية مقابل عشرة ملايين دولار، وتنظيمه مدرج على لائحة الإرهاب في أغلب دول العالم. هذا القائد الجديد قاتل في العراق تحت راية القاعدة وداعش، وتنظيمه أزهق المئات من الأرواح في العراق وسوريا دفاعا عن أفكار جهادية متطرفة يُراودها حُلم قيام دولة الخلافة.

كلنا يذكر الشريط الذي بثت قناة الجزيرة القطرية لأول ظهور للمدعو أبومحمد الجولاني والذي يستشهد فيه بمن وصفه بشيخه أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة حيث يقول “إن مصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الدولة المسلمة وإن مصلحة الدولة مقدمة على مصلحة الجماعة وإن مصلحة الجماعة مقدمة على مصالح الأشخاص.”

استوقفني حديث الجولاني عن واقعة 1400 سنة التي استغرب أن تؤثر في مجتمعاتنا اليوم، متناسيا أنه قاتل في العراق منتقما للواقعة ذاتها، وقاتل في سوريا مدافعا عنها، بل إن عصارة ما لديه من أيديولوجيا تضعُ واقعة أربعة عشرَ قرنا في الحسبان وتتصرف على هذا الأساس، وهدفه هو وتنظيمه إعادة الجميع إلى الوراء، فعلى من يضحك الجولاني؟

 

الواقع الجديد يتعرض لاختبار حقيقي، وعيون دول العالم المؤثرة تراقب كل الخطوات والتصرفات التي تصدر عن التنظيمات المسلحة الممسكة بزمام الأمور في دمشق، للحُكم عليها بشكل نهائي

 

الجميع يدرك الظروف التي أوصلت الجولاني إلى سدة الحكم في سوريا، وهي كما أشرت سابقا، لم تكُن قتالا ومعارك ومواجهات، بل كانت عملية مخططا لها جيدا، مثلها مثل عملية “أجهزة البيجر” في لبنان، كما أنها حلقة من سلسلة تداعيات عملية السابع من أكتوبر 2023. ولا شك أن هذه العملية التي أوصلت الجولاني إلى سدة الحكم قدم فيها الكثير من التنازلات، منها فك الارتباط مع صراع 1400 سنة، وإخراج إيران من سوريا، ومنها أن تكون سوريا دولة منزوعة الدسم والسلاح، ومنها تدمير الجيش السوري وجميع أسلحته.. والقائمة تطول، لكن الطرف الآخر لا يضع في الحسبان أيّ أولويات للشعب السوري، المهم أن يُمسك بزمام سوريا تنظيم متطرف يقود الشعب السوري كما يشاء ويوفر للأطراف الأخرى ما تشاء.

من الضرورة بمكان أن تكون سوريا الجديدة حلقة أساسية في العمود الفقري للسلام في المنطقة، وهو الخيار الذي نسعى إليه ونؤيده، ونرى الخيارات الأخرى غيره خيارات مدمرة. لكن سوريا الآن دولة عقائدية تديرها مجموعات متطرفة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تلعب هذا الدور. ورغم ما قدم الجولاني من الوعود، لن يكون قادرا على السيطرة على التنظيم المتطرف الذي يقود، كما أن السلام الخارجي لا يمكن أن يمنحه من يفقده داخليا، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.. سوريا قبل أن تكون دولة مدنية علمانية يعيش فيها الجميع على أساس المواطنة والقانون، سلطتها منتخبة من الشعب بعيدا عن الأيديولوجية الدينية. قبل ذلك، لا يمكن لسوريا أن تمنح الآخر أي نوع من أنواع السلام والتعايش.

سيكون أول اختبار للجولاني وجماعاته المتطرفة هو الانتخابات، فمن المؤكد أن الشعب السوري لن يصوت لهذه الجماعة، وعندها ستكون الكارثة وستبدأ التنظيمات المتطرفة التكشير عن أنيابها للخارج والداخل.

الجميع تحت الامتحان أمام السلطة الجديدة في سوريا، فالدول الغربية تواجه امتحانا في مطالبها من الجولاني وعلى رأسها أولوية أمن إسرائيل، والدول العربية معنية بمستقبل الشعب السوري وتطلعاته وازدهار وطنه، لكن ذلك كله لن يتم دون تحقيق شروط أهمها أن تكون سوريا دولة مدنية تحكم من طرف الشعب السوري بمختلف طوائفه. وإذا ما نظرنا إلى مطالب السوريين الملحة، فهي تتعلق أساسا بتغيير ظروفهم الاقتصادية، وهذا لن يتم دون رفع العقوبات وتدفق الدعم العربي والخليجي.

 

وبناء على كل هذا، يُمكن القول إن الواقع الجديد يتعرض لاختبار حقيقي، وإن عيون دول العالم المؤثرة تراقب كل الخطوات والتصرفات التي تصدر عن التنظيمات المسلحة الممسكة بزمام الأمور في دمشق، للحُكم عليها بشكل نهائي، رغم أن كل التصورات المرتبطة بمستقبل سوريا مع وجود هذه الفصائل تصطدم بحقيقة واقعية، وهي أنه لا يمكن أن تخرج لصا من السجن له تاريخ طويل في السرقة وتسلمه صندوق المال، فإن فعلتَ ذلك فإنك إما مخدوع وإما مفرط.. فمن لم يتحمل شجرة أعياد الميلاد لا يمكن أن تنثر شجرته ورود التعايش وتعزيز السلم.

*صحفي موريتاني


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى