محاور القتال الجديدة في الخرطوم رقعة شطرنج محفوفة بالفخاخ والترقب
الخرطوم 19 نوفمبر 2024 – تحول الوضع الميداني للجيش السوداني في شمال العاصمة السودانية، إلى نصف التفاف حول محيط سيطرة قوات الدعم السريع، بعد توغله مؤخراً في حي السامراب بالخرطوم بحري، متجنباً تعقيدات التقدم جنوباً نحو ضاحية شمبات التي تتحصن فيها الدعم السريع.
وبعد جمود استمر لنحو شهر ونصف، أحرز الجيش، المتمركز في الحلفايا منذ نهاية سبتمبر، تقدماً ميدانياً في الخرطوم بحري بالسيطرة على مناطق حاكمة في السامراب الواقعة شرقاً بمحاذاة الحلفايا، مما يضمن للجيش حماية ظهره من التفاف وتحركات الدعم السريع المتمركزة في شرق النيل.
وفي منطقة المقرن، وسط الخرطوم، التي تشهد معارك شرسة، لم يتمكن الجيش من تحقيق تقدم مماثل، إلا أنه لا يزال صامداً أمام مقاومة الدعم السريع في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تعتمد على تغطية قناصيها.
وأطلق الجيش عملية برية واسعة فجر 26 سبتمبر، في محاولة لاستعادة السيطرة على العاصمة التي أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها عليها منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
ومهد سلاح الطيران لهذه العملية البرية الأولى من نوعها، حيث نفذ الجيش 1158 غارة جوية خلال 9 أشهر، بمعدل 12.8 غارة يومياً، بلغت ذروتها في شهر أغسطس بعد حصول الجيش على مقاتلات روسية وذخائر ومسيرات إيرانية، بالإضافة إلى دخول عدد مقدر من الطائرات الخدمة بعد صيانتها.
في المقابل، قصفت قوات الدعم السريع 157 موقعاً، وفقاً لمصادر عسكرية تحدثت لـ”سودان تربيون”، استهدفت معظمها مناطق في شمال دارفور، وتحديداً مدينة الفاشر، فضلاً عن الخرطوم وأجزاء عديدة من ولاية سنار.
منذ بداية الحرب، اعتمدت قوات الدعم السريع على الطائرات المسيرة التي حققت بها أهدافاً واسعة النطاق في الخرطوم ودارفور والجزيرة وسنار، بينما لجأ الجيش لاستخدام الطيران الحربي لكسر الحصار عن مقراته، خاصة في الخرطوم، قبل أن يمتلك لاحقاً مسيرات “مهاجر” الإيرانية بعد استئناف العلاقات بين البلدين في أكتوبر 2023.
وتُظهر معلومات حصلت عليها “سودان تربيون” من مصادر متطابقة، أن الجيش يستخدم حالياً طائرات مسيرة من طراز CH-3 بسرعة قصوى تصل إلى 256 كيلومتراً في الساعة، ولمسافة تصل إلى نحو 3 آلاف كيلومتر، مع مدة تحليق تصل إلى 12 ساعة وحمولة تقدر بـ180 كيلوجراماً من الصواريخ أرض – جو.
في المقابل تمتلك قوات الدعم السريع راجمات صواريخ بعيدة المدى، وقال مصدر مقرب من القوات إن الأخيرة تسعى لامتلاك منظومة دفاع جوي متطورة، بالإضافة إلى أنظمة تشويش.
ورصدت “سودان تربيون” غياب نشاط مضادات قوات الدعم السريع منذ أسابيع.
ورغم سباق التسلح، إلا أن العمليات الحربية في الخرطوم شهدت خلال الاسبوعين الماضيين انحساراً ملحوظاً، حيث تراجع زخم العملية البرية التي أطلقها الجيش نهاية سبتمبر.
ومنذ الساعات الأولى للعملية التي بدأت فجر 26 سبتمبر الماضي، تمكنت قوات الجيش القادمة من مدينة أم درمان من عبور جسري السلاح الطبي “جنوباً” والحلفايا “شمالاً”، حيث يشهد هذان المحوران معارك مفصلية.
وقال خبير عسكري لـ”سودان تربيون” إن تراجع الزخم في العمليات وارد وطبيعي، وأشار إلى أن الهدف الأساسي منها هو عبور الجسور والتمركز داخل مناطق العدو.
وأضاف الخبير، الذي طلب حجب اسمه، أن البطء الذي يلازم العملية حالياً طبيعي في حرب المدن، لأن القوات تتحرك بحذر داخل مناطق العدو.
إلا أنه أشار إلى خطورة طول أمد استكانة قوات الجيش، لأن ذلك يمنح الطرف الآخر فرصة لامتصاص الصدمة وإعادة تنظيم قواته، خاصة أن قوات الدعم السريع لا تزال تتمتع بكثافة مشاة.
واطلعت “سودان تربيون” على تقرير ميداني بتاريخ 14 نوفمبر، أشار إلى وجود عسكري ضعيف لقوات الدعم السريع في أحياء الخرطوم بحري مثل الصبابي، شمبات، الصافية والشعبية.
وذكر التقرير أن قوات الدعم السريع تعاني نقصاً في الإمداد في هذه المناطق مع مغادرة من وصفهم التقرير بـ”مرتزقة جنوب السودان”، وأوصى التقرير بتحريك كافة القوات في جميع محاور الخرطوم.
وطرحت “سودان تربيون” سؤالاً على أحد المصادر الميدانية التابعة للجيش بناءً على هذه التقارير. وذكر المصدر أن القوات في انتظار التعليمات من القيادة التي تمتلك الرؤية الكاملة للمسرح العملياتي.
وأضاف المصدر: “بالنسبة للتوصية بالتحرك من كافة المحاور، هذا ما يراه الجيش في الحلفايا، لكن ربما هناك معلومات من محاور أخرى ترصد تحركات في كافوري أو شرق النيل، على سبيل المثال”.
وتابع المصدر بأن طبيعة حرب المدن متقلبة جداً وتعتمد على عنصر المفاجأة، مما يجعل من الصعب إحراز تقدم سريع إذا كانت موازين القوى متساوية أو متقاربة.
في ذات السياق، ذكرت مصادر عسكرية لـ”سودان تربيون” أن قوات الدعم السريع تمتلك وحدات خاصة ذات تدريب عالٍ متمركزة في سلاح المظلات بالخرطوم بحري، وتتحرك هذه القوات بين الجسور، ما أعاق تقدم الجيش مراراً.
ويسعى الجيش من خلال هذه العملية البرية إلى ربط القوات المتمركزة في الحلفايا شمال الخرطوم بحري بسلاح الإشارة في أقصى جنوب المدينة.
وفي حال تحقق ذلك، سيتمكن الجيش من الوصول إلى القيادة العامة بالخرطوم، ومن ثم التوسع نحو وسط المدينة مع تقدم قوات المقرن.
ووفقاً لمصدر عسكري يتبع للجيش، فإن الهدف الرئيسي للعملية البرية في الخرطوم هو فك الحصار عن مقر القيادة العامة.
Source link