اخبار محلية

الكوز (يشفشف) و(مصر) تنتعش! – صحيفة الصيحة

الكوز (يشفشف) و(مصر) تنتعش!

علي أحمد

أكره مصطلح (الشفشفة) الذي يُطلَق على السرقة، ولا أعرف من أتى به، لكنه بلا شك (كوز) لص يريد أن يخفف من وقع اللصوصية حتى يتطبع الناس معها، تمامًا كما حدث مع النميمة عندما أطلقوا عليها (شمارات)، فأصبحت تلك الخصلة الذميمة آفة اجتماعية تسري بين الناس، تهدم البيوت، وتفرق الصداقات والجماعات، بل تطيح بالأحزاب وتشعل الحروب، حتى أن كبار قادة الجيوش والمجموعات المسلحة في بلادنا يمارسونها، فتضرهم قبل غيرهم. وأعوذ بالله من كل مشَّاءٍ بِنَمِيم!

لكن، طالما أن (الشفشفة) أصبحت مصطلحًا رسمياً يتفوه به القادة، فلا بأس باستخدامه لوصف النهب واسع النطاق الذي يمارسه ضباط وجنود الجيش والأمن والكيزان في مناطق سيطرتهم، حيث يسرقون كابلات النحاس، وأجهزة التبريد، والمحولات الكهربائية، والتوربينات، وماكينات المصانع، وحتى المعدات النحاسية المنزلية. هذه الفضيحة الوطنية تسببت في كارثة اقتصادية غير مسبوقة، وألحقت ضررًا بالأمن القومي يصعب تعويضه أو تدارك آثاره، وهذا ما يدعو للرثاء والألم والأسى.

كل ذلك حدث وما يزال يحدث في مناطق سيطرة الجيش، حيث يتم فصل الكابلات النحاسية من شبكة الكهرباء وتجميعها في مكان واحد، إلى جانب المحولات الكهربائية النحاسية والتوربينات وماكينات المصانع (لم يتركوا فيها “نحاسة” واحدة!)، ثم تُنقل إلى مصهر ضخم— تتحدث مصادر عديدة عن أنه يقع في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل— لإعادة صهرها وصياغتها وفق معايير التصدير، إلى أكبر مستلم للمسروقات والنهب المنظم، إلى مصر، طبعًا!

وسبق أن حدث أمر مشابه في الجزيرة بعد خروج قوات الدعم السريع، حيث قامت عناصر تابعة للجيش وكيزانه، بمساعدة عناصر من أجهزة الأمن والمخابرات وبعض الكيزان وضباط حركات الارتزاق، بقيادة اللص الكبير جبريل، بعمليات (شفشفة) واسعة لأصول مشروع الجزيرة. فقد تم تفكيك حتى الطرق الحديدية الداخلية التي كانت تنقل القطن من المزارع إلى المحالج، وتقطيعها وتذويبها في المصاهر التي استوردوها لإضفاء قيمة اقتصادية مضافة على السرقة، ومن ثم بيعها لمصر (الشقيقة)!

لم تترك عصابة الضباط والكيزان في ولايات الخرطوم، الجزيرة، نهر النيل، الشمالية، وبورتسودان (طنجرة أو إبريقًا نحاسيًا) إلا وسرقوه، ولم يتركوا ماكينة مصنع إلا شفشفوها وقطعوها وصهروها وشكلوها وصدروها إلى (الشقيقة!)، التي اشتهرت باستلام مسروقات السودان من أموال، ومقدرات، ومعادن، وثروات، وعجول، وإبل، وضأن! فما من دولة استفادت من فوضى السودان مثل مصر، وهذا أصبح من الأمور المعلومة بالضرورة!

والذهب، يا حسرتي على (الذهب)، هل قرأ أحدكم تقرير (بزنس إنسايدر) الأخير؟ لقد جاءت مصر ثالثة دولة أفريقية في احتياطي الذهب لعام 2024، فيما احتياطي السودان المنتج له (صفر)!

وللتغطية على سرقات الجيش وداعميه المحليين والإقليميين، قام إعلام الكيزان، الذي يقود الدعاية لاستمرار الحرب بعدما ساهم في إشعالها، بابتداع مصطلح (الشفشفة) ووصم قوات الدعم السريع به، بينما تجاهل تمامًا (شفشفة) الكيزان وكبار ضباط الجيش والأمن، التي تتم على أصولها!

لكن قبل أن نخوض في هذه المقارنة، لا بد من الإشارة إلى أن هناك بالفعل متفلتين من قوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم من بينها (الشفشفة)، وقد اعترفت قيادتهم بذلك، بل كونت لجنة لمحاربتها برئاسة اللواء عصام فضيل، ونجحت اللجنة في الحد منها إلى حد كبير. حتى وإن لم تنجح بالكامل، فإن مجرد تشكيلها يعكس رفض المؤسسة لهذه الممارسات الإجرامية، على عكس قيادة الجيش وأجهزته الأمنية والشرطية الكيزانية، التي تحولت إلى مافيا تسرق البيوت وتهرب الذهب وتصهر الحديد وتقطع أوصال البلاد وشعبها أخماسًا على أسداس!

يمكنكم مقارنة حال مدينة ود مدني أثناء سيطرة الدعم السريع، وحالها الآن، حيث يتم نهب المنازل بالزي العسكري “الميري” في وضح النهار، بلا أدنى حياء أو خجل!

لا شك ولا جدال في أن (الشفشفة) الممنهجة أصلها كيزاني من جهة، وعسكري من جهة أخرى، وهذا ليس حديثًا جديدًا، بل هو تاريخ قديم وحاضر مستمر. كل سوداني على وجه الأرض يعرف هؤلاء اللصوص الكبار، فقد “شفشفوا” مشروع الجزيرة، والنقل الجوي، والنقل النهري، والنقل البحري، وباعوا الطائرات، والسفن، والأراضي، والحقول، والساحات، والفنادق، والسفارات، والمدارس، والجامعات، وحتى المكتبات والمختبرات!

لقد سرقوا المستشفيات وأصولها، وباعوا قضبان السكك الحديدية، ونهبوا السودان بلا كلل أو ملل على مدى 30 عامًا. بل سرقوا حتى الكنائس كاثوليكية وغيرها ، وسطو على المساجد! ولم يكتفوا بذلك، بل أصّلوا لهذه السرقات فقهيًا عن طريق فتاوى عبد الحي يوسف ورفاقه، مثل (فقه السُترة)، الذي يبرر التستر على اللصوص والفاسدين، وهي فتوى ذائعة ومنشورة تؤصل “الشفشفة” بشريعة علي عثمان وعلي كرتي ودين عبد الحي وعبد الكريم!

هذا في التاريخ القريب، أما الحاضر، فمنذ أن اتخذوا قرار الحرب وأطلقوا رصاصتها الأولى، كانوا يخططون لنهب البلاد وسرقتها وتمويل الحرب والاغتناء منها. لذلك انسحبوا من المدن والبلدات لخلق حالة من الفوضى، وسحبوا الشرطة بالكامل، وأمروا ضباطها بالتوجه إلى مصر منذ اليوم الأول للحرب، لتسهيل عمليات النهب التي خططوا لها مسبقًا!

ثم بدأوا بنهب مخازن المال والدولار، وكان على رأس مسروقاتهم مصفاة الذهب، التي تم تهريب ذهبها إلى بورتسودان عن طريق عطبرة، قبل أن يرموا الطعم لقوات الدعم السريع لتدخل المصفاة وتقع في شرك (الشفشفة)، وكم من مرة أكلت هذه القوات الطُعم، وما أكثر العبر وما أقل المعتبرين!

ما يحدث من سرقات في مناطق سيطرة الجيش لمقدرات الدولة والشعب السوداني هو عارٌ يمشي على قدمين. ليس هذا فحسب، بل إن صغار الضباط والجنود في الجيش باتوا يسرقون المنازل أيضًا ، واسألوا أهل بحري، وأم درمان، ومدني!

الآن عرف الكل سبب ترديد البرهان وكيزانه وإصرارهم الدؤوب على عبارة “خروج الدعم السريع من منازل المدنيين” كلما تحدث عن الناس عن السلام وايقاف الحرب!

خرج الدعم السريع وترك المنازل في حالها، فسرقها البرهان وجيشه وكيزانه ومرتزقته!


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى